في دراسة حول ترجمة معاني القرآن الكريم وإشكالياتها أكدت د.ليلى عبد الرازق عثمان - رئيس قسم اللغة الإنجليزية والترجمة الفورية بجامعة الأزهر - استحالة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى بنفس الدقة التي جاءت بها اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
ونوَّهت الباحثة إلى أن القرآن يمكن أن تترجم كلماته حرفيًّا، لكن من الصعوبة بمكان ترجمة ما تحمله هذه الكلمات بباطنها من مدلولات ومعانٍ تمثل روح القرآن وسر بلاغته.
وأشارت الباحثة في دراستها إلى أن أسلوب القرآن الكريم أسلوب مميز وفريد؛ مميز في بيانه، وفريد في إعجازه، ما يجعل عملية ترجمته إلى لغة أخرى عملية في غاية الصعوبة؛ بسبب صعوبة نقل الخصائص البلاغية والبيانية للقرآن الكريم.
وذكرت تلك الدراسة أن كثيرين ممن ترجموا معاني القرآن اعترفوا بصعوبة ذلك وعجز اللغات الأخرى عن مجارات اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم. ومن الذين اعترفوا بهذه الحقيقة تذكر الباحثة - على سبيل المثال لا الحصر - أ.ج اربري - الذي كان من أشد المعجبين بلغة القرآن - حيث قال: "بدون شك لغة القرآن العربية تتحدى أية ترجمة مناسبة؛ لأن البيان المعجز يتلاشى حتى في أكثر الترجمات دقة".
وأضافت الباحثة: إن هذه الصعوبات حملت مترجمي القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية إلى ابتكار ما يمكن تسميته لغة إسلامية إنجليزية (Islamic English) فقد قاموا بالتعبير عن الأسماء الإسلامية بمعانيها دون تحريف مثل كلمة (hajj - الحج) استعملت بدلاً من كلمة (pilgrimage) ولا ريب، فإن انتشار أمثال هذه المفردات الإسلامية في اللغة الإنجليزية يؤدي دورًا مهمًا في توحيد المسلمين على اختلاف لغاتهم .
وأكدت الدراسة أنه لكي ينقل المترجم معاني القرآن على أفضل وجه فإن عليه أن يفهم البيئة التي نزل فيها القرآن، وأسباب نزول الآيات والسياقات التي نزلت فيها، إضافة إلى فهم الخصائص البلاغية والبيانية التي تتمتع بها اللغة العربية.
ومن ثَمَّ نقلها بكل دقة وأمانة، دون إضافة أو حذف أو تغيير للمعنى؛ وأوضحت الدراسة، أن هناك بعض المترجمين حاولوا نقل معنى كل كلمة قرآنية، وأضافوا هوامش لشرح الصور البلاغية الواردة في القرآن، كالذي فعله يوسف علي في ترجمته للقرآن الكريم؛ في حين أن بعضًا من المترجمين لم يولوا هذا الجانب أهمية، ولم يعتنوا بالخصائص البلاغية والبيانية، واهتموا فقط بتبسيط معاني القرآن حتى يفهمها العامة.
ألمحت الباحثة إلى بعض الأخطاء التي يقع فيها المترجمون، وذكرت مثالاً على ذلك، استعمال أداة العطف (الواو) فحرف العطف هذا من أكثر أدوات العطف التي يقع الخطأ فيها أثناء الترجمة، فأداة العطف بالإنجليزية (and) يستخدمها المترجمون كلما وجدوا حرف (الواو) في النص العربي، وهذا يؤدي إلى الزيادة والحشو في اللغة الإنجليزية.
ومن أخطاء الترجمة الشائعة أيضًا تغيير صيغة الجملة المعطوفة من المبني للمجهول إلى المبني للمعلوم، إلى جانب الأخطاء الوظائفية والتوصيلية، مثل الاختيار الخاطئ لأدوات العطف، واستبدال أداة عطف بأخرى، إلى غير ذلك من الأخطاء.
نخلص من نتائج هذه الدارسة إلى أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى ليست بالأمر اليسير والمتيسر لكل من أراد ذلك، بل لابد لمن يتصدى لمثل هذا العمل أن يكون على حظٍ عظيم من علم اللغة العربية.
ورسوخ في معرفة أساليبها البيانية والبلاغية، وغوص في الوقوف على أسرارها .. وأن يكون إلى جانب ذلك على حظٍ أوفر من اللغة التي يريد الترجمة إليها، مع أهمية مراعاة الدقة والأمانة في الترجمة، كي تعطي الأمور ثمارها.
نسأل الله تعالى أن يهيأ لهذا الكتاب رجال صدق، يقومون على خدمته خير القيام، ويبلغونه للناس حق البلاغ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
المصدر: موقع إسلام ويب